عادل محمد زايد
عدد المساهمات : 4107 تاريخ التسجيل : 30/01/2009 العمر : 38 الموقع : المشرف علي المنتدي
| موضوع: مراتب العلم لدى الصوفية الأحد مارس 08, 2009 7:59 pm | |
| مراتب العلم لدى الصوفية إنّ التصّوفَ علمُ وسلوكُ يستند إلى المعرفة بوصفها ذوقاً يترعرع عبر معاناة ومجاهدة روحيةٍ ترقى بصاحبها إلى مرتبة فهمٍ عميقٍ يستمد مادته من جدلية التصفية الدائمة للروح من آفات النفس ونزعاتها الدائمة صوب الحياة الدنيا . ولما كانت عملية التصفية تجربةً ذاتيةً تسعى إلى الكمال عبر سلسلة دائمة من المجاهدات اليومية لنزعات النفس ، فإنّ لكل سالك منهجاً ذوقياً يليق به دون غيره، فالمقام الذي يلبث بساحته ليثمر علماً بالله سبحانه وتعالى ، والعلم يثمر عملاً يتوجه صوب مرضاة الله سبحانه وتعالى، ثم يثمر العمل المقبول حالاً ونوراً يضيء زوايا القلب من أجل هذا الأمر فقد عني المتصوفة عنايةً بالغةً بتناول العلم بوصفه طريقاً لنيل القرب من الحضرة الإلهية ، بعد أن أضفوا على دلالته معنىً جديداً وارتقاء بالأحوال فلا فائدة منه للمسلم في سعيه الدائم لمرضاة الله سبحانه وتعالى . وقد أرسى مشايخ القوم أسساً متينةً لطلب العلم بمعيارهم ، نستطيع تقسيمها إلى المراحل التالية :- المرحلة الأولى :- بيان حدود العلم ومورده ، ولهذه المرحلة مقامان . المقام الأول / أنّ المعالجةَ الصوفيةَ الجديدةَ للعلم أثمرت ظهور جملة حدودٍ له . الأول : يرتكز على تأسيس دائرة العلم بكل ما يهم المؤمن في حفظ دينه، وديمومة معاشه بعيداً عن إضاعة الأوقات الثمينة بالبحث عما لا طائل وراءه .. قال الله سبحانه وتعالى (( يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي )). فكلُّ خوضٍ بمسألةٍ لا ينبني عليها عملُ القلب أو الجوارح بطاعة الله سبحانه وتعالى هو خوضُ فيما لا يدل دليل شرعي على استحسانه لذا قال أئمة الطريق : ما وجب عليك عمله وجب عليك العلم به. الثاني : إنّ العلمَ عِلمان ، عِلمُ ظاهرُ ساحته عالم الأمر ، ومادته الشريعة الغراء ومداره على الإلتزام بالعبودية ، وعِلمُ باطنُ ساحته عالم الغيب ومداره على الحقيقة التي تُعني بمشاهدة الربوبية . الثالث : لما كان العلمُ هو إدراكُ للمدَرك على ما هو عليه بذاته لذا فما امتنع إدراكه بمعيار الشريعة يكون العلم به عند التسليم بالعجز عن إدراكه كما قال الصديق – رضي الله عنه " العجز عن درك الإدراك إدراك " فجعل العلم بالله هولا إدراكه . الرابع : إنّ العلمَ بمفهومه الشائع يحمل معه برهانه ، أما العلم الصدقي – الذوقي- فعلمه مقصور على ذائقيه ، من أجل هذا أُطلق عليه معرفةُ لأن المعرفةَ معاناةُ علمٍ بمجاهدةٍ ذاتيةٍ ، وقد حُدًّت للمعرفة الصوفية حدودُ خاصةُ تعالج مواردها من خلال الحال ، والمقام، واللوائح ، والشواهد ، والتلوين، والتمكين . الخامس : لضمان التباس العلم بالوهم تصبح عملية اتخاذ المرشد أمراً لا مناص منه ، لأن المرشد الكامل يمتاز بكونه عالماً بكمالات القلوب ، وآفاتها ، وأمراضها، وأدواتها ، وبكيفية حفظ صحتها واعتدالها ، وله القدرة على إرشاد المريد والإرتقاء بمقاماته في طريق المعرفة بالله - سبحانه وتعالى - مع بيان مَوَاطن الوهم التي تعترض رحلة طالب العلم . المقام الثاني : أولى رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم – اهتماماً خاصاً بالقلب وأناط به جملةً من المهام الجِسام فهو موطن العِلم الحق والمعارف اللدنية ، فلا نهاية لغور بحاره ولا عدد لكثرة أنهاره . قال سهل بن عبد الله التستري – رضي الله عنه - : (( ما خلق الله مكاناً أعز وأشرف عنده من قلب عبده المؤمن ، وما أعطى كرامة للخلق ، أعز عنده من معرفة الحق ، فجعل الأعز في الأعز ، فما نشأ من أعز الأمكنة يكون أعز مما نشأ من غيره )) . وقال سهل : فتعس عبدُ أشغل المكانَ الذي هو أعزُ الأمكنة عنده سبحانه وتعالى بغيره سبحانه . والقلب يعاني من التقليب في الأحوال في كل وقت وآن ، ففي كل وقت له تجلٍ يضيء زواياه، وهو بهذه الصفة يجافي العقل، الذي ينشد الثبات بتقييد العلوم الدنيوية بعقاله لكي يسهل إدراكها ، بينما يقيم القلب في رياض المعارف اللدنية التي تتوالى على قلب العبد المؤمن من الحضرة الإلهية، وتتقلب بحسب الأزمنة والأمكنة ، والأحوال والمقامات بلا قيدٍ ودون أن ينشد ثباتاً لها ، لأن المعرفة الصوفية تعاني من جدلٍ وتغّير دائمٍ ، فلكل مفردة مفهوم ينبع من ذاتها ، وينعكس على ذات العارف فيثمر مفاهيم تتسم بالجِدة، في كل وقتٍ وآنٍ ، فلا نهاية للمعاني التي تحملها المفردة ، لكثرة التجليات ، التي تعاني منها والتي تزيد بعددها على عدد آنات الزمان وتنمو لتسع دائرة المكان .[right] | |
|