عادل محمد زايد
عدد المساهمات : 4107 تاريخ التسجيل : 30/01/2009 العمر : 38 الموقع : المشرف علي المنتدي
| موضوع: الشيخ أبو العباس المرسي الجمعة فبراير 06, 2009 10:16 am | |
| الشيخ أبو العباس المرسي الدكتور محمد عبد المنعم خفاجي أبو العباس المرسي 616 – 686هـ ولد ( أبو العباس ) 616 من الهجرة ، بمرسية الأندلسية ونسب إليها كغيره من المرسيين ، وعاش في كنف أبويه ناعم البال ، راضي النفس فقد كان أبوه عمر بن علي من كبار تجار بلده ، وكانت أمه فاطمة بنت عبد الرحمن المالقي امرأة صالحة ، جعلت نصب عينيها تربية ولديها : أبي عبد الله جمال الدين وأبي العباس أما أولهما وهو الأكبر فقد عمل مع أبيه التاجر ، وكان من الطبيعي أن يلتحق أبو العباس كأخيه بالتجارة لمعاونة أبيه وتخفيف الأعباء عليه كما اقتضاه السعي على الرزق سفراً بعيداً أو قريباً . وفي سنة 640 من الهجرة كان أبو العباس قد بلغ من العمر أربعة وعشرين عاماً ، وإذ ذاك اتجه الأب التاجر بقلبه نحو بيت الله الحرام وعقد العزم على أداء فريضة الحج ، فأصطحب زوجته وولديه ، فربكوا السفينة حتى لجت بها الأمواج ، واشتدت عليها الريح بالقرب من ( بونه ) فاغرقتها ، واستشهد الأبوان دون بلوغ مأربهما ، وشاءت الأقدار أن تكتب النجاة لأبي العباس وأخيه ، فنزلا أرض تونس دون التفكير في العودة إلى مسقط الرأس والتجارة وطلب العيش لهما ، حيث أخذ الأكبر يعمل في مهنته ، وتمكن أبو العباس من فتح مكتب بإحدى الزوايا يعلم فيه الصبيان . وإذ ذاك قدم تونس الشيخ العابد أبو الحسن الشاذلي ، وتناقل الناس فيما بينهم بركاته . حتى لقد بلغ الصفاء من نفس أبي العباس أن رآه في المنام فتاقت نفسه إلى أن يتعرف عليه في اليقظة ، وتحقق الحلم وتم اللقاء ، وتتلمذ أبو العباس على أبي الحسن وتردد على مجالسه ودروسه ، ولازمه طويلاً حتى صار من مريديه وأتباعه . ولم تكد تنقضي ثلاث سنوات حتى استقل أبو الحسن وتلاميذه وبينهم أبو العباس ، مركبا شراعياً من تونس إلى الإسكندرية ، على أثر فتنة هوجاء احتدم أوارها في تونس على يد قاضيها الفقيد أبي القاسم بن البراء ، ففروا بدينهم وعقيدتهم من لفحها ، وتركوها قائمة على عرشها . وكانت الإسكندرية في هذه الحقبة من التاريخ خير منزل يلقى فيه المشارقة والمغاربة أرحب صدر ، وأسمح ثغر . وهناك تلقى شاطئ الإسكندرية عدداً من المغاربة ينزلونه لأول مرة ولا يعرفون من أهله أحداً . . وكانت الشمس في طريقها إلى الغروب ، فحطوا رحالهم في ظل عمود السواري ، وقد نفذ منهم زاد المسافر ، فقاموا إلى الصلاة والدعاء ، وباتوا على حالهم حتى يقضي الله أمراً . ترى . . هل كانت الإسكندرية على موعد مع القدر ونزلائها الوافدين عليها من الغرب ، والدولة يومذاك للملك الصالح نجم الدين أيوب ؟ وهل كان يعلم أحد بظهر الغيب أن تعاليم جديدة للسلوك الاجتماعي ستنبثق من شاطئ الإسكندرية وتحمل طباعاً مميزاً عن سائر الفرق الصوفية ؟
حق الضيافة أحس أهل المدينة بمقدم المغاربة فأقبلوا عليهم مرحبين ، فقد طالما تعودوا رؤية القادمين إلى الحج والراغبين في العلم والتجارة والإقامة ، وتقدم إليهم أحدهم بالطعام ، ولكن الشيخ الكبير منع التلاميذ ، فباتوا جياعاً حتى الصباح ، فصلى بهم ثم قال لهم : ( مدوا السماط واحضروا ذلك الطعام ) فأكلوا وشكروا ثم حمدوا ، ولفتوا إلى الشيخ وقد أخذ يعتدل في جلسته ثم قال : ( رأيت في المنام قائلاً يقول : أحل الحلال إليك ما لم يخطر ببال ، ولا سألت فيه أحداً من النساء والرجال ) . وقد تعلم السادة الشاذلية من أستاذهم ألا يسألوا الناس شيئاً ، وأن يعملوا بأيديهم ويكسبوا عيشهم من عرق الجبين ، فأن العمل في ذاته عبادة ولا خير فيمن يعوله غيره ، ولما كان أبو العباس معلماً للصبيان وهو في تونس ويعرف سبل التجارة كأخيه وأبيه من قبل ، فقد وجد واجتهد حتى أصبح من الشهود المعدلين بالإسكندرية ، إلى جانب قيامه بالتدريس بجامع العطارين وغيره من مساجد الثغر والعاصمة وكان يقول : ( شاركنا الفقهاء فيما هم فيه ، ولم يشاركونا فيما نحن فيه ) ذلك أنه كان يتاجر في القمح وقد تحققت له من هذه التجارة أرباح طائلة ، وحلت البركة بماله وعياله ، إذ تزوج من ابنة أستاذه ، وأنجب منها محمداً وأحمد وبهجة ، وهي التي تزوجها تلميذه ياقوت العرش وكان لأهل الإسكندرية فيهم جميعاً ثقة واعتقاد . ولما بلغ أبو العباس الثلاثين من عمره أقام شيخه حفلاً بجامع العطارين حضره تلاميذه وأصحابه ومريدوه ، وفي هذا الحفل المشهود أعلن الشيخ على الملأ أنه قد استخلف تلميذه أبا العباس ورشحه لخلافة الطريق ، وطالما كان يخصه بالرعاية ، لما توسم فيه من صفاء النفس وشفافية الروح والذكاء والاستقامة على الطريق . وخرج أبو الحسن إلى الحج سنة 656هـ ومعه جماعته ، فمات في الطريق قبل أداء الفريضة – ومضوا هم إلى بيت الله الحرام فحجوا وعادوا ، وصار أبو العباس على رأس مدرسة لها نهجها وأسلوبها في التوعية والتبصير وأخذ الحياة مأخذ الجدية والإيجابية من غير تتطلع أو انعزالية . وفي بعض الشهور من السنة كان أبو العباس ينتقل إلى الأقاليم واعظاً ومرشداً ، وطالما استمع أهل القاهرة إليه في جامع الحاكم بالمكس وجامع عمرو بالفسطاط وجامع أولاد عنان . وكان كبار العلماء يستمعون إليه في الدرس بكل إجلال واحترام كما كان له تأثير كبير في توبة المذنبين وردهم إلى طريق الهداية . قضى أبو العباس المرسي بالإسكندرية ثلاثة وأربعين عاماً يتعلم ويعلم ، وكان في الحالتين مثلاً أعلى للتقوى والورع والزهد ، حتى لقد تعتبر الأبيات الآتية التي قالها صورة صادقة لحياته الصافية المشرقة بنور اليقين ، قال :
ذاب رسمي وصح صدق فنائي وتجلت للسر شمس سمائي وتنزلت في العوالم أبدي ما انطوى في الصفات بعد صفائي فصفائي كالشمس تبدي سناها ووجودي كالليل يخفي سوائي
وكان أبو العباس نموذجاً للعابد العامل ، كان دائماً يقول : ( اللهم اغننا عنهم ، ولا تغننا بهم إنك على كل شيء قدير ) . أما إذا نزل ببلد واضطر إلى المبيت به فقد كان أقصى ما يطمح إليه حاكم هذا البلد أن تكتمل عيناه برؤية أبي العباس والمثول بين يديه ، فإذا أحس منه ذلك ، أسرع بالسفر قبل أن يبزغ الفجر حتى لا يجتمع به . وأشد ما كان يكرهه أبو العباس في العابد النفاق والرياء ، ولهذا كان يقتصد في عبادته ، ويكره أن يطيل أحد في ركوعه وسجوده تظاهراً بالورع ، كما كان يكره الموسوسين في الصلاة ، فذلك من ضعف العقيدة . وفي 25 من ذي القعدة سنة 686هـ مات أبو العباس المرسي بالإسكندرية ودفن حيث قبره الآن من مسجده المشهور ، ثم دفن معه من بعده ولداه ، وعدد كبير من الصالحين من تلاميذه وأتباعه ، حتى من الأمراء الذين كانوا يعتقدون فيه ولم يدركوه ، ومن أشهر تلاميذه بالإسكندرية صفوة مختارة من أعلامها الإمام البوصيري وابن عطاء الله السكندري ، وياقوت العرشي ، ومن سار على نهجهم من بعدهم كالقباري ، وابن الحاجب ، والشاطبي ، وقد تأثروا جميعاً بما كان يقوله من حكم غالية [center] | |
|