شيخ صوفي وجمال عبدالناصر
· وفي سنة 1959 م زار جمال عبد الناصر ـــــ رئيس دولة الوحدة بين مصر وسوريّا ــــ مدينة حلب وأرسل يطلب الاجتماع بسيدنا في قصر الضيافة، وعلى قاعدة: (العلم يُؤتى ولا يأتي، ونعم الأمراء على أبواب العلماء، وبئس العلماء على أبواب الأمراء) رفض طلب عبد الناصر .
· فترة الوحدة بين مصر وسوريّا استُحدِثت وزارة (رعاية الشباب) وسوريّا آنذاك الإقليم الشمالي ومصر الإقليم الجنوبي من الجمهورية العربية المتحدة، فاستضافت مصر صيفاً مائة وخمسين شاباً من سوريّاً، فغرق أحد الموفدين في شواطئ الإسكندرية، إلاّ أنّ السلطة لم تبادر بإرسال الجنازة، واكتفت بإعلام أسرة الفقيد عن طريق تلك الوزارة، لأن نقله لا يمكن إلاّ بطائرة، وما أن بلغ سيدنا الخبر حتى ثارت ثائرته وطلب من الشيخ محمد عبد الله الشامي أن يفتح له هاتفاً ليكلّم جمال عبد الناصر، وأثناء المكالمة قيل له: من يريده؟ قال الشيخ الشامي: قولوا له الشيخ محمد النبهاني من حلب.. فقالوا: إنه في اجتماع بمجلس الوزراء، هل تكلمون المشير عبد الحكيم عامر؟ قال الشيخ الشامي: سيدي، هذا المشير على الهاتف.. قال ِرضي الله عنه : كلّمه أنت، فأنا لا أكلم المشير، وليبلغ جمال عبد الناصر: نرسل لكم أبناءنا أحياءً وتبخلون بإرسالهم أمواتاً؟ فأجابه: شيخي، بعد ساعتين سيكون عندكم.. فوصلت الجنازة بعد ساعتين، على طائرة خاصة!
· في سنة 1967م ظهرت مجلة الجندي ــــ القوات المسلحة التي يحررها إبراهيم خلاص ـــ بعبارة على واجهتها: (الله، والأديان السماوية دمىً محنطة في متاحف التاريخ)!! فهاجت البلاد وماجت، وكانت للعلماء مواقف شرف في حلب وحماة ودمشق وحمص وبقية المدن والقصبات، فأدركت الحكومة حجم المأزق، وأرسلت وفداً للمفاوضة مع سيدنا ، حدثني والدي ــــ رحمه الله ــــ الّذي رأى وسمع ما جرى للوفد معه قال: كانوا ثلاثةً وزيراً ورئيس المخابرات والمحافظ، فأمضى t ساعةً يتهدد ويتوعّد، دون أن يستضيفهم بشربة ماء، وجاءه الحاج مصطفى سروجي رحمه الله تعالى بشاي ضيافة للوفد، لكن سيدناt سأله: ((ما هذا؟)) فقال الحاج مصطفى: ضيافة شاي يا سيدي، فقالِ رضي الله عنه :
((الضيافة للكريم، وهؤلاء لئام، لا تقدم لهم..!! والله لئن أمرني ربي لأقاتلنّكم بجنود الله بالبعوض والبرغش، أنا لا أقتل جنودنا؛ فهؤلاء أبناؤنا ولكن أقتل نساءكم المتبرجات العاريات، وأضرب كل سبعين برصاصة))!! .. وانفضّ المجلس عن توقع كارثة، فخرج t إلى القرى يدبّر أمراً، وأعلنت الحكومة نبأ قتله مكراً وخديعةً، ولم تمض إلاّ أيام حتى انحسم الأمر بالحرب بين العرب وإسرائيل سنة 1967م .
حدثنا الشيخ محمد بن الحاج علي النبهان قال: أذكر في عام 1967م عندما كتب أحد المجرمين الكفرة في سوريّا واسمه إبراهيم خلاّص ( إن الله والأديان والإقطاع ورأس المال..كدمى محنطة في متحف التأريخ! ) كان ِرضي الله عنه الأسد الحصور الّذي وقف ليقول إن في الإسلام رجالاً قادرين على حمل لوائه والذود عنه، فألهب مدينة حلب بل سوريّا كلها! وارتعدت أوصال الظالمين، فجاءه والدي رحمه الله تعالى فبكى عنده! وقال له: إني أخاف عليك منهم، وحبّذا لو كان موقفك أخف أو فيه بعض الليونة! فأجاب ِرضي الله عنه بكلمة لا أنساها: حاج علي، والله إني لأستحيي من الله أن ينظرني خفت من غيره، أنا لا أعرف الخوف إلاّ من الله تعالى، لأنه وحده الفعّال لما يريد جلّ جلاله .
· وأعلن رئيس آخر العلمانية، فأرسل ِرضي الله عنه برقية بجمع من العلماء، تضمنت تهديداً واحتجاجاً شديد اللهجة وافتتح إذاعة في المسجد تبثّ مساوئ العلمانية وتفضح أهدافها في إبعاد الإسلام عن دوره في تسيير نظم الحياة وإدارة شؤون الدولة، لكن المحنة خفّت بعد أن نصّ الدستور على أن يكون رئيس الجمهورية مسلماً .
· وذُكِرَ له أن الرئيس يريد زيارتكم ليعتذر فقال: هو يدخل من باب وأنا أخرج من الباب الثاني
· ذكر هذا النبأ الشيخ سعيد حوى رحمه الله تعالى في كتابه " هذه شهادتي وهذه تجربتي
" ص104 ـــ 109 لدى حديثه عن الدستور الدائم في سوريّا، وسنقتطع من النص ما يناسب المقام، قال رحمه الله: أنجز الدستور مجلس الشعب المؤقت، وطرح الدستور على المناقشة العامة، وأعلن أنه سيصوت عليه من قبل الشعب كله..!. قرأتُ الدستور وشعرت بالخطر، فالدستور كان علمانياً..!
عندما قرأت الدستور وجدت أنه لابدّ من عمل، وأن هذا العمل يجب أن يكون باسم علماء سوريّا.كان خوف الناس من النظام كبيراً، وكان علي أن أهتك عقدة الخوف، وعلماءُ سوريّا بطبيعتهم حذرون، فكيف نجمعهم على موقف سياسي موحد؟ ومن الّذي يجرؤ أن يكون هو البادئ؟ فالأمر في غاية الصعوبة. بعد أن قررت العمل كتبت بياناً عاماً في مناقشة الدستور، وكتبت صيغة فتوى قصيرة في شأنه، بين يدي محاولتي إقناع من أستطيع إقناعه من العلماء وبالتوقيع على هذا وهذا. المهم عندي أن يبدأ أحد العلماء بالتوقيع الأول، ولم يكن في سوريّا أجرأ من الشيخ محمد النبهان رحمه الله في حلب..
تأخّر جواب شيوخ حلب عدة أيام، ثم جاء أحدهم ومعه الفتوى والبيان، موقعين من حوالي ثلاثة عشر شيخاً هم أكابر شيوخ حلب، والّذي جرّأهم على التوقيع هو اسم الشيخ محمد النبهان عندما رأوه على البيان والفتوى..
وله ِرضي الله عنه مواقف أخرى لم نتعرض لها خشية أن تحول دون طبع الكتاب ونشره في بعض البلدان.
http://alkeltawia.com/port/news.php?action=view&id=20