عائشة الصديقة صفحة ناصعة في التاريخ الإسلامي
كانت السيدة عائشة الصديقة مدرسة في التعليم وبث الوعي، وظهر ذلك جلياً في استدراكاتها على جملة من الصحابة الكرام، ولا غرابة في ذلك ما دامت هي زوج معلم البشرية محمد صلى الله عليه وسلم، وانها لصورة ناصعة البياض في جبين هذه الأمة، أن تكون المرأة معلمة ومرشدة ومفهمة لرجال الاسلام قبل قرون مديدة، يوم كان العالم لا يعرف للمرأة حقاً، ولا يرضى لها مكانة. إن الاسلام قدس حق المرأة، وما عائشة إلا حبة في سلسلة هذه المسيرة المباركة التي ملأت جوانب صفحات تاريخنا المجيد، فأعظم بعائشة أم المؤمنين.
المكثرون من الرواية
اننا ندعو أولئك الذين أغمضوا أعينهم وتغافلوا عن حقيقة الإسلام إلى دراسة التاريخ الإسلامي بعقولهم التي متعهم الله تعالى بها، وإلى نبذ ما يقال من أن الإسلام كبت المرأة وصادر حريتها، وحرمها حقوقها.. كانت عائشة بين الصحابة بمثابة استاذ بين تلاميذ، وهل كان عمر بن الخطاب يرسل إلا إليها؟ وهل كانت عائشة من غير السبعة الذين أكثروا الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فسموا المكثرين من الرواية؟ يا قومي، هل ثمة دليل أوضح من سيرة عائشة وغيرها لدحض شبهات يفتعلها الجاهلون (أو المتجاهلون) حول حرية المرأة وحقها؟!! بلغت الأحاديث التي روتها عائشة 2210 أحاديث، اتفق الشيخان على 174 حديثاً، وانفرد البخاري ب 54 حديثاً، وانفرد مسلم ب 69 حديثاً.
قال الزهري: لو جمع علم عائشة إلى علم جميع النساء لكان علم عائشة أفضل.
وقال عروة بن الزبير فيما أخرجه الحاكم وصححه (ووافقه الذهبي) لعائشة (وهي خالته): “قد أخذت السنن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والشعر والعربية عن العرب، فعمن أخذت الطب؟ قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان رجلاً مسقاماً، وكان أطباء العرب يأتونه فأتعلم منهم”.
ولما توفي الصديق رضي الله عنه وقفت عائشة على قبره فقالت: “نضّر الله وجهك يا أبت، وشكر لك صالح سعيك، فلقد كنت للدنيا مذِلاً بإدبارك عنها، وللآخرة معزاً بإقبالك عليها، ولئن كان أجل الحوادث بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم رزؤك، وأعظم المصائب بعده فقدك، إن كتاب الله ليعد بحسن الصبر عنك حسن العوض منك وأنا أستنجز موعود الله فيك بالصبر، واستقضيه بالاستغفار لك، أما لئن كانوا قاموا بأمر الدنيا لقد قمت بأمر الدين، لما وهى شعبه، وتفاقم صدعه، ورجعت جوانبه، فعليك سلام الله توديع غير قالية لحياتك، ولا زارية على القضاء فيه”.