موضوع: الصوم يحسن حالة الفرد النفسية الإثنين أكتوبر 13, 2008 4:17 am
الصوم يحسن حالة الفرد النفسية
استأثرت الفوائد الصحية للصيام، بمعنى الامتناع الكامل عن الطعام والشراب لفترة زمنية محددة، باهتمام قطاعات كبيرة من العلماء في شتى بقاع الأرض، وكان صيام رمضان وما يمنحه للمسلم الصائم من سعادة نفسية، وسلامة صحية، ملهماً للكثير من الدراسات العلمية التي اقتصر التركيز فيها على الجانب المادي للصيام، أي جانب الامتناع فقط، دون التطرق إلى الطاقة الروحية التي يفجرها الصيام الرمضاني في نفوس الصائمين. وبرغم ذلك توصلت معظم هذه الدراسات إلى نتائج شديدة الأهمية. وذكرت صحيفة "الاتحاد" الإماراتية أن دراسة أجريت في جامعة جنوب كارولينا الأميركية، أظهرت الكثير من الفوائد الصحية للصيام، وانتهت إلى حقيقة أن الامتناع عن تناول الطعام يوماً كاملاً في الأسبوع، تريح المعدة، والجهاز الهضمي، والأعصاب، وتساعد على الاسترخاء والتخلص من التشنجات العضلية في المعدة، وفي الجهاز الهضمي ككل، بل إن التأثير الصحي يمتد إلى الأسنان أيضاً، وهو ما يؤكده الدكتور روبرت هاملتون من نيويورك عندما يشير إلى أن الأسنان عندما تستريح من بقايا الطعام، والتخمرات، والرواسب التي تنتج عن تناول الطعام لمدة يوم واحد في الأسبوع، فإنها تكتسب قدرة أكبر على مقاومة التسوس والتهابات اللثة. ويضيف الدكتور روبرت أن الدراسة التي أجراها مع فريق من العلماء، وتناولت ألف شخص بين رجل وامرأة، تطوعوا جميعاً للصيام بمعدل يوم واحد أسبوعياً، طوال فترة الدراسة أكدت أن الآثار الصحية للصيام تمتد إلى جميع أجهزة وأعضاء الجسم. حيث تبين أن المعدة تستريح، ويعتدل إفراز المواد الحمضية التي تساعد على الهضم، ويتخلص الجسم من التراكمات الضارة، ويتجنب بعضاً من الآثار المدمرة للشوارد الحرة أو ذرات الأكسجين الحرة. وفي أوروبا أنشئت مراكز صحية متكاملة للعلاج بالصيام. ويثبت العلم الحديث في كل يوم أن للصيام فوائد صحية هائلة. فوائد الصيام إن أعصاب الإنسان قوية قادرة على احتمال العمل فالمخ يستطيع أن يعمل بلا انقطاع دون أن يرهقه العمل والعضلة البشرية يمكن لها العمل عشرات الساعات قبل أن ينالها التعب وهناك حقيقة مدهشة، أن العمل الذهني وحده لا يفضي إلى التعب، وقد يبدو هذا القول عجيبا ولكن طائفة من العلماء حاولوا منذ بضعة أْعوام أن يتعرفوا على مدى احتمال المخ الإنساني للعمل، فكانت دهشتهم كبيرة حين وجدوا أن الدماء المندفعة من المخ وإليه، وهو في أوج نشاطه، خالية من كل أثر للتعب، فأنت إذا أخذت عينة من دماء عامل يشتغل بيديه بينما هو يزاول عمله تراها حافلة بخمائر التعب وإفرازاته، أما إذا أخذت عينة من الدماء المارة بمخ عالم مثل اينشتاين فلن تجد بها أثرا لخمائر التعب حتى في نهاية يوم حافل بالنشاط الذهني. ويذهب الطبيب النفسي الأميركي (أ·أ· بريل) إلى حقيقة مدهشة أخرى فيقول أن 100% من التعب الذي يحسه العمال الذين يتطلب عملهم الجلوس المتواصل راجعة إلى عوامل نفسية أي (عاطفية) فإذا كان المخ الإنساني لا يعتريه التعب قط والعضلة البشرية لا تتعب إلى أمد طويل، فإذن ما الذي يشعرنا بالتعب؟ يقول الأطباء النفسيون إن معظم التعب الذي نحسه ناشئ عن طبيعة اتجاهاتنا الذهنية والعاطفية. وفي ذلك يقول الدكتور (هادفيلد) العالم النفسي الإنجليزي في كتابة سيكولوجية القوة إن الجانب الأكبر من التعب الذي نحسه ناشئ عن أصل ذهني بل الحقيقة أن التعب الناشئ عن أصل جسماني غاية في الندرة. فما هي العوامل العاطفية التي تشعر العمال الجالسين بالتعب؟ أهو السرور أم الرضى؟ لا هذا ولا ذاك، إنما هو التبرم والضيق والقلق والإحساس بعدم الاستقرار، تلك هي العوامل العاطفية التي تشعر الموظفين والعمال الجالسين بالتعب، وترسلهم آخر النهار إلى بيوتهم وهم يمسكون أدمغتهم من (الصداع العصبي). والصوم أفضل وسيلة لتخفيف القلق والتوتر والثورة النفسية لأمرين: أولا: أنه يرفع المستوى الفكري للإنسان فوق مجال المادة والحياة. ثانيا: أنه يخفض ضغط الدم ويخفف اندفاع الإنسان نحو القلق والتوتر. كما أن الصوم هو رياضة الهدوء والاسترخاء، والثورة النفسية لا دواء لها سوى الرضى والاستسلام لمشيئة الله والتسامح مع الناس، وأغلب الأفراد الذين يصبحون فريسة هذا المرض الخطر، هم إما من العابسين المتشائمين ذوي الطباع الحادة، وإما الذين لا هم لهم طول النهار سوى أن يشعروا بالهم واللهفة والأسى على أمر لم يكن، وللذين يعانون المتاعب والهموم لأنهم ورطوا أنفسهم في أزمة مالية أو اجتماعية أو عائلية، فإن الصوم يحقق الاسترخاء والشفاء من هذا التوتر المهلك. فالصوم يعلم الصبر، والسماحة، والكلام الطيب، والرضى وانشراح الصدر والصوم يعلم تقبل المصائب بصبر جميل، والصوم يعلم التسامح مع الناس والتعامل مع المتاعب بالرفق والأزمات بالبساطة والسهولة. والقلق، الداء الذي يصيب أكثر الناس، والذي يزداد مع توسع الحضارة، حتى كتب الدكتور اليكسيس كارليل: إن رجال الأعمال الذين لا يعرفون كيف يطاردون القلق يموتون مبكراً. وأخطار القلق كثيرة، تحدث عنها الدكتور (جوبر) كبير أطباء اتحاد مستشفيات جالت وكولورادو وسانتافي، فقال إن في استطاعة سبعين في المائة من المرضى الذين يقصدون الأطباء أن يعالجوا أنفسهم بأنفسهم إذا تخلصوا من القلق والمخاوف التي تسيطر عليهم. والخوف يسبب للشخص المرض لأن الشخص يشعر دوما أن حياته في خطر، ويتزايد هذا الخوف تدريجيا حتى يشل تفكير الإنسان وينغص عليه حياته ويمتص حيويته ونشاطه. ويُقصد هنا بالخوف، الخوف الذي يسيطر على عقل الإنسان أما الخوف الطارئ المعتدل فهو أمر طبيعي لأنه في هذه الحالة يكون وسيلة لتمكيننا من التخلص من الأخطار المحدقة، غير أن البعض يتخيل عندما يشير إليه أحد الأشخاص بإصبعه أنه يوجه نحوه بندقية، ويسبب له هذا الخوف قلقاً واضطرابا عصبيا يؤدي إلى اضطراب جميع وظائف أجهزة الجسد، والذي يظهر في صورة مرضية مختلفة، وقد يسبب عسر الهضم وفرحة المعدة واضطرابات القلب والأرق والصداع، وغير ذلك. والخوف يسبب القلق، والقلق يسبب توتر الأعصاب واحتداد المزاج ويؤثر في أعصاب المعدة ويؤدي في كثير من الأحيان إلى قرحة المعدة. وقال الدكتور: (و·س·الفاريز) رئيس الجمعية الأميركية للأطباء والجراحين العاملين في المؤسسات الصناعية: لقد درست حالة 17 رجلا من رجال الأعمال من أعمار متجانسة معدلها 44 سنة فاتضح لي أن أكثر من ثلث هؤلاء يعانون واحدا من ثلاثة أمراض تنشأ كلها عن توتر الأعصاب وهي: اضطرابات القلب وقرحة المعدة وضغط الدم المرتفع. وهذا الداء العضال الذي يسميه الطب بـ "القلق" ينشأ عن عوامل كثيرة، ولكن لابد لنا من الاعتراف بأن هناك أدوية كثيرة له غير أنه يصح أن نعتبر رضى النفس رأس كل دواء له وخاصة إذا كانت الإرادة حكيمة. وفي هذا المعنى يؤكد الدكتور الكسيس كاريل أن الذين يسعهم الاحتفاظ بالسلام والطمأنينة وسط ضجيج مدينة عصرية يتمتعون بحماية هائلة من الأمراض العصبية، والصيام يحقق ذلك بما يضفيه على النفس من مشاعر إيجابية، وبما يحققه من ترويض للغرائز وتقوية للإرادة. ولقد أوقف علماء النفس جانبا كبيرا من وقتهم خلال السنوات الأخيرة لدراسة الناس وأساليبهم في الحياة بغية الوصول إلى ما يوفر عليهم راحة البال، ويسبب لهم أكبر قدر ممكن للاستمتاع بالحياة فكانت أهم وصاياهم: لا تسرفوا في عمل الشيء. وذلك بعد أن وصل الطب إلى أن دستور الحكمة ورأس العلاج هما عدم الإسراف في الأكل والشرب. فقد ثبت طبيا أن الشراهة تفتك بالمعدة وتحطم الكبد وترهق القلب وتسبب تصلب الشرايين و الذبحة الصدرية وارتفاع ضغط الدم و البول السكري وأنه لا وقاية من هذه الأمراض ولا علاج لها إذا أصيب بها الإنسان إلا الحد من شهوة الأكل وعدم الإسراف في الطعام والشراب. وبالطبع فإن الصيام يحقق ذلك بشرط عدم الإسراف في تناول الأطعمة بعد الإفطار. وليس أدل على علاقة الصيام والاعتدال في تناول الطعام بالصحة، وبتمكين الجسم من تفجير طاقات الشفاء الذاتي من أن المريض يفقد شهيته للطعام، أي يدخل في حالة جوع إجباري يفرضها عليه جسمه، من أجل استراحة يتفرغ خلالها لمواجهة عوامل المرض وأسباب اعتلال الصحة، وهي حقيقة التقطها الأطباء ووضعوها ضمن وصفاتهم لمرضاهم. فالأكل الخفيف المسلوق سهل الهضم بكميات قليلة هو أول ما يصفه الطبيب للمريض، حتى لا يجهد جهازه الهضمي، وحتى لا يشغل الجهاز الدوري والدورة الدموية والدماغ والغدد الصماء والكثير من أجهزة الجسم بإفراز المزيد من العصارات الهاضمة، وعمليات التعليب والدفع، وكل ما يتطلبه الهضم والتمثيل الغذائي من جهد يكون بالتأكيد على حساب تأدية مهام حيوية أخرى، وعلى رأسها الدفاع عن الجسم وإعادة بناء ما يتلف من خلاياه .