بلال بن رباح
قصة إسلام بلال بن رباح
ظلت عينا الطفل الحزين معلقتين بالرمس ، على حين كانت أمه الثكلى تجره من يده منقلبة به إلى دار بعد أن غيب الثرى وجه زوجها الحبيب .
كان الطفل ينتحب نحيبا مؤثراً ، ونشج نشيجاً عالياً ، والدموع تنهل من عينيه المحمرتين ، منسابةً على وجهه الأسود الداكن ، فتبدوا و كأنها حباتُ من اللؤلؤ أنقطع عقدها فتبعثرت ، إنه "بلال بن رباح()" عبد أمية بن خلف من سادات قريش .
ومرت السنون ، وكبر بلال وأشتد عوده ، وبدت عليه متانة الجسم ، وحل محل وألده في خدمة أمية بن خلف ، يتبعه كظله ، يأمره فيطيع ، ويوجهه إلى العمل فلا يتلكأ ولا يتردد ، وبهذا حاز رضاه ، وكان عنده الأثيرُ ، دون سائر الأرقاء . وكان لبلال صوتُ رخيم يؤنس به سُمّار سيده .
وكان من عادة أمية أن يرسل مندوباَ عنه ، مع قافلة يسهم فيها إلى الشام ، فلما شب بلال وبلغ مبلغ الرجال ، جعله نائباَ عنه في تجارته ، يغدو ويروح مع القافلة ، حاملاَ الأرباح الوافرة ، والمال الكثير ، وزاد حبُ أمية له لأمانته وحسن خلقه .
كان أمية يمضي في أحد دروب مكة ، ومن ورائه بلال يحدثه ، ويرجو له وللقافلة التي ستغدو الجر حظاَ سعيداَ .
وكان أبوبكر الصديق () في القافلة ، فتوطدت بينه وبين بلال عرى الصداقة ، فلما بلغت القافلة مشارف الشام حطت رحالها لتستريح ، وأستأذن أبوبكر صديقه لزيارة أحد الرهبان ، فسأله بلال عن ذلك السبب ، فقال أبوبكر ، إنه رأى حلما يرجوا أن يبين الراهب تأويله ، ورغب بلال في مصاحبة أبي بكر ، فذهبا معاَ ، وأستمع الراهب إلى الحُلْم فأنبأ أبا بكر بظهور قريب لنبيّ في أرض العرب ، فخرجا وعلى وجه كل منهما علاماتُ وصور .
وفي الصباح استأنفت القافلة سيرها ، ونزلت بأطراف دمشق ، فباعتْ بيعها وأقام أفرادها أيّاماَ ثمّ عادوا إلى مكة .
وفي أحد الليالي ، و بلال غارق في نومه ، بعد نهار مضى ، من العمل الشاق ، سَمَع طرْقاً على الباب ، وإذا بالطارق أبوبكر الصديق ، فلما استفسره بلال عما أتى به في مثل هذا الوقت ؛ أخبره بأن النبي الذي أخبرهم به الراهب قد ظهر ، فاهتم بلال بالأمر من أعماق نفسه ، وراح مع أبي بكر يتهامسان ، ويتناجيان ، وعلم أن النبي هو محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ، وعلم كذلك أهداف الدعوة ، وغايتها ، كتحطيم الأوثان والأصنام ، والتوجه بالعبادة لله وحده ، وتحرير الإنسان من الرّقّ والذلّ ، ونَصْرة المظلوم ، ومساعدةِ الضعيف والمحتاج ،
وشهد بلال بالله ووحدانيتهِ ، وبمحمد صلى الله عليه وسلم ورسالتهِ . وتكرر اللقاء واشتدت أواصر الصلة بين بلال والدعوة إلى الدين الإسلام .
وجاء من يهمس في أذن أمية كلاماً اربدّ له وجهُهُ ، وتغيرت سَحْنَتُه ، و احمرت عيناه ، وقام من فوره إلى بيته ، ثم نادى بلالاً ، وراح يسأله عن نبأ إسلامه ، وأيمانه بمحمد ، فلم يكذب بلال وصدق سيده الخبر .
وهنا امتدت يد أمية إلى السوط يضربه به في قسوة وعنف ، ثم حبسه في ركن مظلم ، وَحَرَمَه الطعام والشراب وغادر الدار .
ومكث بلال أياماً يذوق فيها أقسى العذاب وأشده ، فلم تَفْتَر هِمتُهُ ، ولم يضعف أيمانه ، ولم يستسلم .
وحين توسطت الشمس كبد السماء ، رمى بلالاً إلى الأرض بلالاً إلى الأرض ، على مرأى من الناس ، ثم أتى بصخرة عظيمة ووضعها فوق صدره ، فكادت تكتم أنفاسه . ولكنه كان يستمد قوته من محبة الله ، وثقته به ، فراح يردد ((أحدٌ أحدٌ)) وكانت تراوده الغيبوبةُ بين الحين والحين ، وحين يستفيق يلهج لسانه بالقول ذاته .
إن رحمة الله وسعت كل شيء ، فقد أتى الفرج على يد أبي بكر ، إذ حضر إلى ذلك المكان ، وراح يحاور أمية وأبا جهل في شأن الإفراج عن بلال ، ولما لم يستجيبا عرض عليهما أن يشتريه ، فرضى أمية وطلب ثمناً عالياً ، فوافق أبوبكر، وأزاح الصخرة عن صدر بلال ، وحل وثاقهُ ، وذهب إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، ففرح حين شاهده فرحاً عظيماً .
مع تحياااااااااات