تأملات في قصة سيدنا موسى مع سيدنا الخضر عليهما السلام (1)
أحببت أن أشرككم في تأملات حول الجانب الباطني الخاص في الصحبة التي وقعت بين سيدنا موسى وسيدنا الخضر عليهما السلام والتي قصها عليها القرآن العظيم في سورة الكهف.
ومع أن السادة علماء التفسير قد أشبعوها في الظاهر تفسيرا جازاهم الله خيرا فهي تبقى مليئة بالعبر.
أول ملاحظة أن هذه الصحبة وردت في سورة الكهف التي هي منتصف سور القرآن فدل ذلك التوسط على عظمها وكمالها.
الملاحظة الثانية أنها صحبة بين نبي وولي فالراجح أن سيدنا الخضر عليه السلام ولي لأنه لو كان نبيا لصرح به القرآن لكون النبوة دائرة ظهور ولكونه أشير له في الآية بقوله تعالى "عبدا من عبادنا" فمقامه إذن مقام العبودة وهو مقام الإنمحاق في ذات الله تعالى وهو من أخص مقامات الولاية.
الملاحظة الثالثة أن سيدنا موسى أفضل من سيدنا الخضر سواء كان الخضر نبيا أو وليا ومع ذلك فقد تبع سيدنا موسى الفاضل سيدنا الخضر وهو مفضول مما يدل على أن علم الحقيقة من الشرف بحيث يتبع فيه الفاضل المفضول.
الملاحظة الرابعة أن المراد بهذه الصحبة ليس قلع لوح من سفينة ولا قتل غلام ولا إقامة جدار فهناك معان أعمق من هذا وما يعقلها إلا العالمون.
ولنحاول تقديم رشفات من بحر هذه الصحبة اعتمادا على تفسير مولانا شيخ الإسلام الجامع بين الشريعة والحقيقة أبي إسحاق إبراهيم عبد الله رضي الله عنه.
إن مطلب سيدنا موسى هو الوصول للحقيقة المشار لها ب"مجمع البحرين" فإن كان للبحرين صورة هي البحر الأبيض والبحر الأحمر ولهما مجمع صوري فحقيقة هذا المجمع هو النقطة التي يلتقي فيها البحران بحر الشريعة وبحر الحقيقة اللذان لا يبغيان لوجود برزخ بينهما.
ولا يخفى أن مقاصد القرآن لها ظاهر عند أهل الظاهر غير أن لها باطنا كذلك.
.........................................
الإستشكال سوف يزول عنك إذا عدت لنص القرآن فموسى طلب بصراحة اتباع العبد "هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا".
فعلمنا أن العبد يعلم علما خاصا والتعبير بالعبد في غاية الكمال.
ولا شك أن موسى وهو نبي الشريعة أعلم من غيره بها ولا شك أن موسى طلب علم الحقيقة أيضا كما ورد في القرآن.
والفهم التوفيقي بين هذا وذاك هو القول بأن الرسل عليه الصلاة والسلام مختصون فيما أقامهم الله فيه من هداية بأحكام الشريعة مع أن علم الحقيقة كامن في ذواتهم الشريفة.
وبذلك يكون اتباع سيدنا موسى لسيدنا الخضر (على افتراض أنه العبد) إنما هو إيقاظ رباني لعلم الحقيقة الكامن في ذاته وجاء تعلمه له من باب الأدب مع الحضرة..
وأنت تعلم أن سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم تلقى القرآن من سيدنا جبريل ولا خلاف أنه أفضل من جبريل وأنه أقرب إلى الله منه.
فالأمر إنما هو إظهار لأهمية سر التلقي الذي هو سر رباني عظيم.
والله أعلم