قبس من المضنون قصة موسى مع الخضر عليهما السلام للأمام ابو العزائم
قبس من المضنون: قصة موسى مع الخضر عليهما السلام: (أدب السالك مع المرشد)
مجلة المدينة المنورة العدد 40 السنة 19 الموافق9 /5 /1947
لما كان المرشد صورة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنسبة للسالك، والسالك الصادق تتوالى عليه الواردات التى تدعوه إلى طمأنينة القلب، ولا يطمئن القلب إلا بالـبيـان كل البيان. والمرشد أعلم بقواه القابلة منه، وقد يمتحن تسليمه بعمل ما تنزعج منه العقول، أو بقول ذلك لتقوم الحجة على كمال تسليمه (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فى أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) سورة النساء آية 65.
والميزان الراجح فى هذا عمل موسى مع الخضر عليهما السلام - قال الله تعالى مخبراً عن موسى مع الخضر عليهما السلام: (قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً ) سورة الكهف آية 66 – 69).
إنظر يا أخى إلى تلطف موسى وتواضعه، وإلى خشونة الخضر وتصريحه بما لا تقبل النفوس الكبيرة فضلاً عن نفوس الرسل عليهم الصلاة والسلام، ولكن هذا القول إمتحان منه ليعلم قوة تسليم موسى عليه السلام. وفى هذه الآية أكبر عبرة للسالك والمرشد، فإذا قال للمرشد لما بعد أن قامت الحجة ووضحت المحجة على أنه يصحب مرشداً كاملاً، كان ذلك نقصاً فى حسن اتباعه له. وانظر إلى فعل الخضر الذى يخالف ظاهر الشريعة وكليم الله إمام الشريعة وأكمل الناس غيرة لها، وكيف لا وقد سأل الله أن يهلك فرعون ومن معه غيرة للشريعة.
ومن هذه الآية الشريفة وجب على السالك أن ينظر إلى المرشد بعين الروح لا بعين العقل لأن المرشد الكامل يعمل واجب الوقت لأنه ألهمه الله تعالى علم ما لم يعلمه الناس وفقهه فى الدين. إلا أن السالك يجب أن يقف عند حد الشريعة فيما يختص بنفسه غير منتقد ولا متأول حتى يكشف له المرشد عن الحقائق التى يطمئن بها قلبه بعد التسليم للمرشد، فإن طمأنينة القلب فوق الإيمان - قال الله تعالى لخليله عليه السلام: (قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) سورة البقرة آية 260.
وطريقنا كله أدب، ولا أدب إلا بالمحبة، ولا محبة إلا بالعلم، ولا علم إلا بالإستقامة، ولا استقامة إلا بالإيثاراللهم اهدنا صراطك المستقيم يا رب العالمين.
و اين هو الخضر ؟
و لا انا موسي ؟ !
و الأدب مع الشيخ و الأدب مع الأخوة
و الأداب عموما هي ليتعلم المريد آداب الحضرة
و لايكون ذلك إلا بتهذيب النفس و كسر شهوتها
و لا اقول ذلك شرحا أو تفسيرا بعد كلمات إمامنا فكلها نور
و إنما لبيان أن التأدب في حضرة أهل الله ليس مطلوبا لذاته او للشيخ فحسب
و انما المريد نفسه هو المستفيد بالإستعداد لعالم الروح و تجلياتها
فكثير من المعترضين لا يفهم ذلك و يتخيل أن آداب المريد مقصودة لذاتها فحسب
اللهم ارزقنا الأدب معهم حتي تشرق أرواحنا بتجليات الحق
و تسري فينا انوار الذات السارية العلوية من الشجرة المباركة الربانية
وصلي الله علي سيدنا محمد وعلي آله و ورثة علمه وصحبه وسلم