وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ
وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ
13-17 يقول تعالى واضرب يا محمد لقومك الذين كذبوك "مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون" قال ابن إسحاق فيما بلغه عن ابن عباس رضي الله عنهما وكعب الأحبار ووهب بن منبه أنها مدينة أنطاكية وكان بها ملك يقال له أنطيخس بن أنطيخس بن أنطيخس وكان يعبد الأصنام فبعث الله تعالى إليه ثلاثة من الرسل وهم صادق وصدوق وشلوم فكذبهم وهكذا روي عن بريدة بن الخصيب وعكرمة وقتادة والزهري أنها أنطاكية وقد استشكل بعض الأئمة كونها أنطاكية بما سنذكره بعد تمام القصة إن شاء الله تعالى.
وقوله تعالى: "إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما" أي بادروهما بالتكذيب "فعززنا بثالث" أي قويناهما وشددنا أزرهما برسول ثالث.
قال ابن جريج عن وهب بن سليمان عن شعيب الجبابي قال كان اسم الرسولين الأولين شمعون ويوحنا واسم الثالث بولص والقرية أنطاكية "فقالوا" أي لأهل تلك القرية "إنا إليكم مرسلون" أي من ربكم الذي خلقكم يأمركم بعبادته وحده لا شريك له وقاله أبو العالية وزعم قتادة أنهم كانوا رسل المسيح عليه السلام إلى أهل أنطاكية.
"قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا" أى فكيف أوحي إليكم وأنتم بشر ونحن بشر فلم لا أوحي إلينا مثلكم ولو كنتم رسلا لكنتم ملائكة وهذه شبهة كثير من الأمم المكذبة كما أخبر الله تعالى عنهم في قوله عز وجل "ذلك بأنه كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فقالوا أبشر يهدوننا" أي استعجبوا من ذلك وأنكروه وقوله تعالى: "قالوا إن أنتم إلا بشر مثلنا تريدون أن تصدونا عما كان يعبد آباؤنا فائتونا بسلطان مبين" وقوله تعالى حكاية عنهم في قوله تعالى "ولئن أطعتم بشرا مثلكم إنكم إذا لخاسرون" وقوله تعالى: "وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا".
ولهذا قال هؤلاء "ما أنتم إلا بشر مثلنا وما أنزل الرحمن من شيء إن أنتم إلا تكذبون قالوا ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون" أي أجابتهم رسلهم الثلاثة قائلين الله يعلم أنا رسله إليكم ولو كنا كذبة عليه لانتقم منا أشد الانتقام ولكنه سيعزنا وينصرنا عليكم وستعلمون لمن تكون عاقبة الدار كقوله تعالى: "قل كفى بالله بيني وبينكم شهيدا يعلم ما في السموات وما في الأرض والذين آمنوا بالباطل وكفروا بالله أولئك هم الخاسرون".
"وما علينا إلا البلاغ المبين" يقولون إنما علينا أن نبلغكم ما أرسلنا به إليكم فإذا أطعتم كانت لكم السعادة في الدنيا والأخرى وإن لم تجيبوا فستعلمون غب ذلك والله أعلم.
تفسير إبن كثير سورة يس آية 13-17