السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها
السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها 4
مازلنا فى الاحتفال بزواج السيدة فاطمة الزهراء رضى الله عنها والإمام على كرم الله وجهه،
وقوله: (إن رضى) صورة تعليق، لا حقيقته، لأن الأمر منوط برضى الزوج.
على أن هذا الحديث قد حكم ابن الجوزى بوضعه وتبعه الذهبى.
وقالا هو من وضع محمد بن دينار، ورواه ابن عساكر بنحوه وقال: غريب لا أعلمه.
قال ابن طاهر المهدسى: محمد بن دينار روى عن هيثم عن يونس عن الحسن عن أنس تزويج فاطمة، والراوى عنه فيه جهالة.
ورواه ابن قانع وغيره من طريق محمد بن دينار عن جابر.
قال ابن الجوزى: وضع ابن دينار هذا الحديث فوضع الطريق الأول إلى أنس، ووضع الطريق الثانى إلى جابر، وأقره على الجزم بوضعه الجلال السيوطى فيما تعقبه عليه مع تحريه لاجتهاد فى أحكامه ما وجد بذلك سبيلا.
والحاصل أن هذه الكيفية من الخطبة عند العقد والاجتماع كذلك لا أصل له بالكلية.
وأما وقوع التزويج بالأمر الإلهى لعلى وخطبة الشيخين لها قبل ذلك جعل الدرع صداقا، فلا شك فيه لوروده من طرق بأسانيد صحيحة.
وأما ما زعمه الشيخ شهاب الدين بن حجر الهيتمى من أن لذلك أصلا فممنوع، وما تمسك به من كلام الحافظ بن حجر فى اللسان فمدفوع، فإن الحافظ لم يقل فيه إنه غير موضوع، بل حكى عن ابن عساكر أن الرواى عن محمد بن دينار دمشقى فيه جهالة.
على أن محمد بن دينار وضاع، فمراده زيادة توهين الحديث، وأنه مع كونه من رواية ابن دينار فالراوى عنه أيضا فيه جهالة، فهى ظلمات بعضها فوق بعض.
وأخرج ابن سعد فى طبقاته عن عكرمة قال لما زوج المصطفى عليا فاطمة كان فيما جهزت به سرير مشروط ووسادة من أدم حشوها ليف وقربة. وقال لعلى: إذا أتيت بها فلا تقربها حتى آتيك.
وكانت اليهود يأخذون الرجل عن امرأته، فلما أتى بها قعدا جنبا فى ناحية البيت، ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا بماء فأتى به فمج فيه ومسه بيده، ثم دعا عليا فنضح من ذلك على كتفيه وصدره، وذراعيه، ثم دعا فاطمة فأقبلت تتعثر فى ثوبها حياء من رسول الله ففعل بها مثل ذلك.
ثم قال لها يا فاطمة، أما إنى ما أليت أن أنكحتك خير أهلى.
وأخرج ابن ماجه عن على قال: لقد أهديت ابنة الرسول صلى الله عليه وسلم فما كان فراشنا ليلة أهديت إلا إهاب كبش.
وروى الطبرانى: لما أهديت فاطمة إلى على لم نجد فى بيته إلا رملا مبسوطا، ووسادة حشوها ليف وجزة وكوزا...
وروى عن رجل قال: أخبرتنى جدتى: أنها كانت مع النسوة اللاتى أهدين فاطمة إلى على، قالت: أهديت فى بردين عليها، ودملجان من فضة مصفران، فدخلت بيت على، فإذا إهاب شاة، ووسادة فيها ليف، وقربة، ومنخل، وقدح.
وروى أحمد فى الزهد عن على قال: جهز رسول الله فاطمة فى خميلة وقربة، ووسادة من أدم حشوها ليف.
وروى عن على قال: ما كان لنا إلا إهاب كبش تنام على ناحيته، وتعجن فاطمة على ناحتيه.
وروى أبو بكر بن فارس وابن مشدد عن ضمرة بن حبيب: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابنته فاطمة بخدمة البيت، وقضى على على بما كان خارج البيت.
وروى البخارى فى الخمس، ومسلم فى الدعوات، وغيرهما، عن على: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما زوجه فاطمة بعث معها خميلة ووسادة من أدم وحشوها ليف ورحيين، ومسقا وجرتين.
فقال على لفاطمة ذات يوم: والله لقد مرت سنون حتى اشتكيت صدرى، وقد جاء الله أباك بصبى، فاذهبى فاستخدميه. فقالت: والله أنا طحنت حتى مجلت يداى! فأتت النبى، فقال: ما جاء بك أى بنية؟! قالت: جئت لأسلم عليك، واستحيت أن تسأله ورجعت! فقال: ما فعلت؟ قالت: استحيت أن أسأله، فأتياه جميعا، فقال على يا رسول الله، من الله عليك بسبى وسعة، فأخدمنا.
فقال: والله، لا أعطيكما وأدع أهل البيعة تطوى بطونهم، لا أجد ما أنفق عليهم. ولكنى أبيعهم، وأنفق عليهم وأحفظ عليهم إيمانهم، فرجعا فأتاهما وقد دخلا إلى قطيفتهما إذا غطت رؤوسهما تكشفت أقدامهما، وإذا غطت أقدامهما تكشفت رؤوسهما.
قال: ألا أخبركما بخير ما سألتمانى؟ قالا: بلى. قال: كلمات علمنيهن جبريل: تسبحان الله فى دبر كل صلاة عشرا، وتحمدان الله عشرا، وتكبران عشرا.
وإذا أويتما إلى فراشكما فسبحا الله ثلاثا وثلاثين واحمدا ثلاثا وثلاثين، وكبرا أربعا وثلاثين.
قال: فوالله ما تركتهن منذ علمنيهن رسول الله.
فقال له ابن اللواء: ولا ليلة صفين؟ قال: نعم.
وسرى ذلك إلى ذريتهما.
ولهذا لما ذهب عنهم الخلافة الظاهرة لكونها صارت ملكا، ومن ثم لم تتم للحسنين عوضوا منها بالخلافة الباطنة حتى ذهب كثيرون إلى أن قطب الأولياء لا يكون فى كل زمن إلا منهم.
الباب الثالث
فى فضائلها وبناء المصطفى عليها واختصاصه بها واهتمامه بشأنها، وتنويهه بذكرها تحذيره من إيذائها وبغضها والأذى لها، وتعليمه إياها وتأديبه وتهذيبه لها وغير ذلك.
فضائلها
الحديث الأول
مكانتها
عن المسور بن مخرمة رضى الله عنه، أنه عليه الصلاة والسلام قال: (فاطمة بضعة منى أى جزء منى فمن أغضبها فقد أغضبنى).
رواه البخارى فى الصحيح الحكم فيمن يسبها: قال السهيلى: إن من سبها فقد كفر، ويشهد له أن أبا كبابة حين ربط نفسه وحلف أن لا يحله إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاءت فاطمة لتحله فأبى من أجل قسمه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنما فاطمة بضعة منى) وفيه نظر.
وقال بعضهم: إن كل من وقع منهم فى حق فاطمة شىء فتأذت به، فالنبى صلى الله عليه وسلم يتأذى به، ولا شىء أعظم من إدخال الأذى عليها من قبل ولدها، وهذا عرف بالاستقراء.. معالجة من تعاطى ذلك بالعقوبة فى الدنيا ولعذاب الآخرة أشد.
الحديث الثانى
هى بضعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم
عنه - أيضا - أنه صلى الله عليه وسلم قال: (فاطمة بضعة منى يقبضنى ما يقبضها، ويبسطنى ما يبسطها، وإن الأنساب تنقطع يوم القيامة غير نسبى) رواه الإمام أحمد والحاكم.